عوامل سقوط الحضارات.. إمريكا نموذجاً

مقال لـ: أحمد عثمان :

الحضارة التي تمتلك قوة مفرطة للدمار ثم تقتل به الضعفاء وتدمر الشعوب بدون قانون وبدون (احم ولا دستور) وبلا أي رادع اخلاقي ليست حضارة إنسانية هي نزوة وحشية تنتمي لعالم السباع ستتقرض وهي تحرق نفسها بقوتها المفرطة ضد الأطفال والنساء، فصناعة الفجائع وزراعة الاحزان عند الأمهات ليست قوة ولا حضارة ولا هم يحزنون.

والانتشاء بهذا الفعل كإنتصار هو علامة ضعف وخواء حضاري وبداية سقوط محتوم.

ولايفيد الحرص على المعاني الأخلاقية بالتصريحات اللفظية بينما اليد مخضبة بالدماء تذبح الضعفاء باسلحتها التي تمد بها القتلة الذين تشجعهم بالحماية من العدالة والعقوبة والردع في المحافل والمنظمات الدولية… إمريكا نموذجاً !!.

والمظاهرات التي تقودها النخبة وطلاب ومدرسي الجامعات الأمريكية ضد هذا المسلك ليست من أجل عيون (غ ز ة) بل من أجل عيون إمريكا وتنطلق من الإحساس بخطر هذه الوحشية ضد بلادهم كدولة عظمى، وهو إحساس سوي يجعل هؤلاء يرون أن الأسلحة التي تقتل الأطفال وتمزقهم اشلاء إنما تشرع بتمزيق الدولة العظمى وتضربها في العمق وتحيل ضميرهم ووجودهم الحضاري إلى أشلاء منثورة في مهب الأيام.

فنشوء الحضارات والدول العظمى تبدأ مشبعة ببعدها الاخلاقي مصحوبة بالقيم الإنسانية والروافع الروحية، وهذا ما يقف وراء القوانين النظرية للمجتمع الدولي المتعلقة بحقوق الإنسان والشعوب وقوانين الحروب التي تطبق بشكل أعور للأسف بسبب قصور في بناء الضمير الدولي والنفاق المتعمق في روح هذه الحضارات المزيفة.

وعندما تتخلى هذه القوة عن هذا البعد وتمارس عكسه بشكل مقرف دون مراجعة أو رادع، فأنها تبدأ الهبوط التدريجي نحو السقوط إلى الهاوية والتلاشي كما تلاشى السابقون، ولن يعدم الزمان اسباباً متدرجة وربما سريعة لهذا السقوط وسيصنع التاريخ خانة سوداء ومشوهة تليق بهم مع لوحات تقرأها الأجيال والشعوب لمن يريد الإعتبار والإستفادة من دروس التاريخ الذي بالغالب يتكرر بسبب طغيان الإنسان وذاكرته المهزوزة بالأطماع ونوازع الإستعلاء بغير حق.

لأول مرة بسبب المجازر والإبادة في (غزة) يجري صراع (حضاري) في إمريكا بين طغيان القوة العمياء وإبصار النخبة والطلاب لمآلات الأمور يتعلق ببقاء إمريكا وزوالها من خارطة القوة، والأيام شديدة المكر بالاقوياء المغفلين والطغاة المغرورين بالقوة وادعاء الربوبية والقوة المطلقة
وللأيام خبرة في مسح الإمبراطوريات بسهولة ساخرة.

انهم يتحولون رغم ضخامتهم إلى أضحوكة للزمن ومسخرة للتاريخ بعد أن كانوا يغطون الأفاق.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.

شارك هذا الخبر في